فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين}.
قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85].
واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال.
أحدها: عبد الله، قاله علي عليه السلام، وروي عن ابن عباس أنه عبد الله بن الضحاك.
والثاني: الاسكندر، قاله وهب.
والثالث: عيِّاش، قاله محمد بن علي بن الحسين.
والرابع: الصعب بن جابر بن القلمس، ذكره ابن أبي خيثمة.
وفي علَّة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال.
أحدها: أنه دعا قومه إِلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زمانًا، ثم بعثه الله، فدعاهم إِلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك، فذانك قرناه، قاله علي عليه السلام.
والثاني: أنه سمي بذي القرنين، لأنه سار إِلى مغرب الشمس وإِلى مطلعها، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس.
والرابع: لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء إِلى الأرض وأخذ بقرني الشمس، فقصَّ ذلك على قومه، فسمِّي بذي القرنين.
والخامس: لأنه مَلَك الروم وفارس.
والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين، رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبِّه.
والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر، قاله الحسن.
قال ابن الأنباري: والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين، وجميرتين، وقرنين؛ قال: ومن قال: سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم، قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض يقال لهما: قرنان.
والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف.
والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس، وهو حيّ.
والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو إِسحاق الثعلبي.
واختلفوا هل كان نبيًّا، أم لا؟ على قولين.
أحدهما: أنه كان نبيًّا، قاله عبد الله بن عمرو، والضحاك بن مزاحم.
والثاني: أنه كان عبدًا صالحًا، ولم يكن نبيًّا، ولا مَلكًا، قاله علي عليه السلام.
وقال وهب: كان ملكًا، ولم يوح إِليه.
وفي زمان كونه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه من القرون الأُوَل من ولد يافث بن نوح، قاله علي عليه السلام.
والثاني: أنه كان بعد ثمود، قاله الحسن.
ويقال: كان عمره ألفًا وستمائة سنة.
والثالث: أنه كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، قاله وهب.
قوله تعالى: {سأتلوا عليكم منه ذِكْرًا} أي: خبرًا يتضمن ذِكْره.
{إِنا مكَّنَّا له في الأرض} أي: سهَّلْنا عليه السَّير فيها.
قال علي عليه السلام: إِنه أطاع الله، فسخَّر له السحاب فحمله عليه، ومَدَّ له في الأسباب، وبسط له النُّور، فكان الليل والنهار عليه سواء.
وقال مجاهد: مَلَك الأرضَ أربعةٌ: مؤمنان، وكافران؛ فالمؤمنان: سليمان بن دواد، وذو القرنين؛ والكافران: النمرود، وبختنصر.
قوله تعالى: {وآتيناه من كل شيء سببًا} قال ابن عباس: عِلْمًا يتسبب به إِلى ما يريد.
وقيل: هو العِلْم بالطُّرق والمسالك.
قوله تعالى: {فأتبع سببًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {فاتَّبع سببًا} {ثم اتَّبع سببًا} {ثم اتَّبع سببًا} مشددات التاء.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {فأتبع سببًا} {ثم أتبع سببًا} {ثم أتبع سببًا} مقطوعات.
قال ابن الأنباري: من قرأ: {فاتَّبع سببًا} فمعناه: قفا الأثر، ومن قرأ: {فأتبع} فمعناه: لحق؛ يقال: اتَّبَعَني فلان، أي: تَبِعَني، كما يقال: أَلْحَقَني فلان، بمعنى لَحِقَني.
وقال أبو علي: {أتبع} تقديره: أتبع سببًا سببًا، فأتبع ما هو عليه سببًا، والسبب: الطريق، والمعنى: تبع طريقًا يؤدِّيه إِلى مَغْرِب الشمس.
وكان إِذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشًا فسار بهم إِلى غيرهم.
قوله تعالى: {وجدها تغرب في عين حمئة} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن وعاصم: {حمئة}، وهي قراءة ابن عباس.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {حامية}، وهي قراءة عمرو، وعلي، وابن مسعود، والزبير، ومعاوية، وأبي عبد الرحمن، والحسن، وعكرمة، والنخعي، وقتادة، وأبي جعفر، وشيبة، وابن محيصن، والأعمش، كلُّهم لم يهمز. قال الزجاج: فمن قرأ: {حمئة} أراد في عَيْنٍ ذاتِ حَمْأَة. يقال: حَمَأْتُ البئر: إِذا أخرجتَ حَمْأتَها؛ وأَحْمَأْتُها: إِذا ألقيتَ فيها الحَمْأَة. وحمئت فهي حمئة: إِذا صارت فيها الحَمْأَة. ومن قرأ: {حامية} بغير همز، أراد: حارّة. وقد تكون حارَّة ذاتَ حَمْأَة.
وروى قتادة عن الحسن، قال: وجدها تَغْرُب في ماءٍ يغلي كغليان القدور {ووجد عندها قَوْمًا} لباسهم جلود السِّباع، وليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس من الدوابّ إِذا غربت نحوها، وما لفظت العين من الحيتان إِذا وقعت فيها الشمس.
وقال ابن السائب: وجد عندها قومًا مؤمنين وكافرين، يعني عند العين.
وربما توهَّم متوهِّم أن هذه الشمس على عِظَم قدْرها تغوص بذاتها في عين ماءٍ، وليس كذلك.
فإنها أكبر من الدنيا مرارًا، فكيف تَسَعُها عين ماء؟!.
وقيل: إِن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مَرَّة، وقيل: بقدر الدنيا مائة وعشرين مَرَّة، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة.
وإِنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طَرَفه أن الشمس تغيب في الماء، وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان فوجد عينًا حَمِئة ليس بعدها أحد.
قوله تعالى: {قلنا يا ذا القرنين} فمن قال: إِنه نبيّ، قال: هذا القول وحي؛ ومن قال: ليس بنبي، قال: هذا إِلهام.
قوله تعالى: {إِما أن تُعَذِّب} قال المفسرون: إِما أن تقتلَهم إِن أبَوْا ما تدعوهم إِليه، وإِما أن تأسرهم، فتبصِّرهم الرشد.
{قال أمّا مَنْ ظَلَم} أي: أشرك {فسوف نُعَذِّبُه} بالقتل إِذا لم يرجع عن الشرك.
وقال الحسن: كان يطبخهم في القدور {ثم يُرَدُّ إِلى ربِّه} بعد العذاب {فيعذبه عذابًا نُكْرًا} بالنار.
قوله تعالى: {فله جزاءً الحسنى} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {جزاءُ الحسنى} برفع مضاف.
قال الفراء: {الحسنى}: الجنة، وأضيف الجزاءُ إِليها، وهي الجزاء، كقوله: {إِنه لَحَقُّ اليقين} [الحاقة: 51] و{دينُ القيِّمة} [البيِّنة: 5] و{ولدار الآخرة} [النحل: 30].
قال أبو علي الفارسي: المعنى: فله جزاء الخلال الحسنى، لأن الإِيمان والعمل الصالح خِلال.
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: {جزاءً} بالنصب والتنوين؛ قال الزجاج: وهو مصدر منصوب على الحال، المعنى: فله الحسنى مَجْزِيًّا بها جزاءًَ.
وقال ابن الأنباري: وقد يكون الجزاء غير الحسنى إِذا تأوَّل الجزاء بأنه الثواب؛ والحسنى: الحسنة المكتسبة في الدنيا، فيكون المعنى: فله ثواب ما قدَّم من الحسنات.
قوله تعالى: {وسنقول له من أمرنا يُسْرًا} أي: نقول له قولًا جميلًا.
قوله تعالى: {ثم أَتْبَعَ سببًا} أي: طريقًا آخر يوصله إِلى المَشْرِق.
قال قتادة: مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إِلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قومًا في أسرابٍ عراةً، ليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس إِذا طلعت، فإذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس.
وبلغَنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، فيقال: إِنهم الزنج.
قال الحسن: كانوا إِذا غربت الشمس خرجوا يتراعَون كما يتراعى الوحش.
وقرأ الحسن، ومجاهد، وأبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: {مَطْلَع الشمس} بفتح اللام.
قال ابن الأنباري: ولا خلاف بين أهل العربية في أن المَطْلِع، والمَطْلَع كلاهما يعني بهما المكانُ الذي تطلع منه الشمس.
ويقولون: ما كان على فَعَل يَفْعُل، فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المَفْعَل، كقولهم: المَدْخَل، للدخول، والموضِع الذي يُدخَل منه، إِلا أحد عشر حرفًا جاءت مكسورة إِذا أريد بها المواضع، وهي: المَطْلِع، والمَسْكِن، والمَنْسِك، والمَشْرِق، والمَغرِب، والمَسْجِد، والمَنْبِت، والمَجْزِر، والمَفْرِق، والمَسْقِط، والمَهْبِل، الموضع الذي تضع فيه الناقة؛ وخمسة من هؤلاء الأحد عشر حرفًا سُمع فيهن الكسر والفتح: المَطْلِع، والمَطْلَع.
والمَنْسِك، والمَنْسَك.
والمَجْزِر، والمَجْزَر.
والمَسْكِن، والمَسْكَن.
والمَنْبِت، والمَنْبَت.
فقرأ الحسن على الأصل من احتمال المَفْعل الوجهين الموصوفين بفتح العين وكسرها، وقراءة العامة على اختيار العرب وما كثر على ألسنتها، وخصت المَوْضِع بالكسر، وآثرت المصدر بالفتح.
قال أبو عمرو: المطلِع، بالكسر: الموضع الذي تطلع فيه؛ والمطلَع، بالفتح: الطُّلوع؛ قال ابن الأنباري: هذا هو الأصل، ثم إِن العرب تتسع فتجعل الاسم نائبًا عن المصدر، فيقرؤون: {حتى مَطْلِع الفجر} [القدر: 5] بالكسر وهم يعنون الطُّلوع؛ ويقرأ من قرأ: {مَطْلَع الشمس} بالفتح على أنه موضع بمنزلة المدخل الذي هو اسم للموضع الذي يدخل منه.
قوله تعالى: {كذلك} فيه أربعة أقوال.
أحدها: كما بلغ مَغْرِب الشمس بلغ مطلعها.
والثاني: أتبع سببًا كما أتبع سببًا.
والثالث: كما وجد أولئك عند مَغْرِب الشمس وحكم فيهم، كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم.
والرابع: أن المعنى: كذلك أمْرُهم كما قصصنا عليك؛ ثم استأنف فقال: {وقد أحطنا بما لديه} أي: بما عنده ومعه من الجيوش والعدد.
وحكى أبو سليمان الدمشقي: {بما لديه} أي: بما عند مطلع الشمس.
وقد سبق معنى الخُبْر [الكهف: 68].
ثقوله تعالى: {ثم أتبع سببًا} أي: طريقًا ثالثًا بين المَشْرِق والمَغْرِب. اهـ.